السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخلافات الزوجية
قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.
الحمْدُ لله في الأُوْلى والآخِرَة، الحَمْدُ لله الَّذِي لا يَنْسَى منْ ذَكرَهُ، والحَمْدُ لله الَّذِي لا يَخِيْبُ منْ دَعَاهُ، ولا يَقْطَعُ رَجَاءَ منْ رَجَاهُ.
الحمْدُ لله عدَدَ ما خَلَق، الحمْدُ لله مِلْء ما خَلَق، الحمْدُ لله عَدد ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأَرْضِ، الحمْدُ لله عَدد ما أحْصَى كِتـَابُهُ , والصلاة والسلام على نجم أنبيائه وأحبابه , محمد بن عبد الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه .
وبعد ... ،
فإن صلاح الأسرة هو الطريق الأمثل إلى صلاح المجتمع ، بل إلى صلاح الأمة كلها . وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه حبال الأسرة ، فالأسرة المؤمنة تربى الأجيال، وتخرج القادة والمصلحين , وتكون سبباً من أهم أسباب الرقي الإنساني .
ولقد امتنَّ اللّه سبحانه وتعالى بهذه النعمة؛ نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها . فقال عز من قائل: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) ( ) .
إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير.
ولا يقوم بناء السعادةِ الزوجية إلا على ركنين أساسيين:
أحدُهما: جلبُ أسباب المودة، واستدامتُها.
والثاني: دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها.
وجلب أسباب المودة والسعادة لها سُبل كثيرة منها :
1ـ الاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين.
2- المودة والرحمة بين الزوجين .
2- الصراحة والوضوح بين الزوجين.
3- معرفة كل من الزوجين ما له وما عليه.
4- الاشتغال بعظائم الأمور والترفع عن سفاسفها.
5- الاحتكام إلى شرع الله عند الخلاف.
6- تلبية رغبات أحدهما للآخر على قدر المستطاع.
7- الحوار الهادئ والبناء.
8- التشاور فيما يخصهما من أمور.
9- طاعة الزوجة لزوجها وحسن معاشرة الزوج لزوجته.
10- قوامة الرجل وحنان المرأة.
وأما دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها. فإنه يحتاج ابتداء إلى معرفة أسباب الخلاف , ثم إلى البدء في وضع الحلول المناسبة لكل سبب .
وأسباب الخلافات الزوجية كثيرة ومتشعبة فمنها ما يرجع إلى البيئة والتنشئة الأولى , والاختلاف في نمط الشخصية , والخلل في أسلوب التعامل .ومنها ما يرجع إلى التدخلات الخارجية من بعض الأهل أو الأصدقاء أو الجيران .ومنها ما يرجع إلى الضغوط الاجتماعية والمادية من يسر وإقتار , وإسراف وإمساك.
وهذا البحث يتناول أسباب الخلافات والمشاكل الزوجية والحلول التي وضعها الإسلام لهذه الخلافات .
وقد حصرت هذه الخلافات في اثني عشر مبحثا :
الأول : عدم تحديد الهدف من الزواج .
الثاني : سوء الاختيار وانعدام الكفاءة .
الثالث : عدم وجود آلية للتفاهم بين الزوجين.
الرابع : الكذب والخيانة .
الخامس : التدخلات الخارجية .
السادس : - نشر أسرار الحياة الزوجية.
السابع : البخل وعدم الإنفاق.
الثامن : الغيرة القاتلة .
التاسع : مشكلة الإنجاب.
العاشر : عدم العدل بين الزوجات .
الحادي عشر : الصراع في تربية الأبناء .
الثاني عشر : الإهمال في العلاقة الجنسية .
فكل مبحث من هذه المباحث يتحدث عن سبب من أسباب الخلاف الذي يمكن أن يحدث بين الزوجين , وقد تكون هناك أسباب أخرى تركتها للاختصار وعدم التطويل , فاقتصرت على البارز والمهم منها .
والله اسأل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل .
راجي عفو ربه
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
في 10 / 5 / 2009 م
المبحث الأول : عدم تحديد الهدف من الزواج
هناك كثير من الشباب المُقبل على الزواج إذا سألته عن الهدف والغاية المرجوّه من الزواج فإنك قد لا تجد لديه إجابة واضحة عن سؤالك , أو قد تجده يفهم الزواج فهما خاطئا أو قاصرا.
- فمنهم من يرى أن الزواج متعة وشهوة جسدية فحسب.
- ومنهم من يرى أنه سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة الأولاد.
- ومنهم من يرى أنه فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ.
- ومنهم من يرى أنه فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد المؤمنين.
- ومنهم من يرى أنه عادة توارثها الأبناء عن الآباء.
وقليل منهم من يرى أنه رسالة ومسئولية عظمى، وتعاون مستمر، وتضحية دائمة في سبيل إسعاد البشرية وتوجيهها إلى الطريق السليم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ( ) .
وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ( ) .
فالزواج في الإسلام له حِكَمٌ وفوائد عديدة منها ما يلي:
(1) أنه أعظم رباط إنساني يجمع بين شخصين، ولهذا سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً } ( ) .
والإسلام يعتبر الزواج شِرعة دينية وسنة اجتماعية وسنة كونية .
(2) أنه سكن وأمان:قال الله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ( ) .
(3) تكثير نسل الأمة: عن معقل بن يسار أن النبي r قال : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " ( ) .
(4) فيه غض للبصر وإحصان للفرج: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي r قال: " يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ( ) .
(5) امتثال أمر الله تعالى ورسوله r في الحث على النكاح .لقوله تعالى: {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}} ( ) .
وقال: {{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}} ( ) .
وقال ـ عزّ وجل ـ: {{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}} ( ) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من استطاع منكم الباءة فليتزوج " ( ) .
(6) المرأة الصالحة خير متاع الدنيا : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي r قال : "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " ( ) .
وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي r قال :أربع من السعادة: المرأة الصالحة و المسكن الواسع والجار الصالح و المركب الهنيء و أربع من الشقاء: المرأة السوء و الجار السوء و المركب السوء و المسكن الضيق " ( ) .
والرجل والمرأة اللذان لا يعرفان ولا يحددان الهدف من الزواج ؛ فإنهما كذلك لن يعرفا حق كل منهما على الآخر.
فعلى الرجل أن له حقوقاً على زوجته والتي منها :
(1) طاعة الزوج في غير معصية .
(2) حفظ غيبة الزوج في نفسها وماله .
(3) أن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما .
(4) أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه .
(5) أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه .
(6) أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق .
(7) ألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش .
(
و أن لا تسأل الطلاق من غير بأس .
(9) أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد .
(10) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه .
(11) أن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه.
(12) وجوب خدمة المرأة لزوجها.
كما أن على المرأة أن تعرف أن لها حقوقاً على زوجها والتي منها:
(1) المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق .
(2) المهر والنفقة والسكنى.
(3) القوامة عليها .
(4) حق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر.
(5) التأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح.
(6) عدم الهجر في غير البيت.
(7) مداراتها وملاطفتها.
(
أن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها .
(9) النهي عن التماس عثرات النساء.
(10) أن يعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة.
(11) أن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها .
(12) ألا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها .
ولا بد أن تكون هناك واقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات , فليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة.
وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته.
والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله:
فسـامح ولا تسـتوف حـقك كلـه* * * وأبـق فلــم يســـتوف قـط كـريم
ولا تغل في شـيء من الأمر واقتصد* * * كــلا طـرفي قصــد الأمـور ذميـم
وانظر إلى السلف الصالح كيف كانوا يحسمون أمورهم ويحددون أهدافهم من أول ليلة في زواجهم , فيضعون النقاط على الحروف , ويبينون لزوجاتهم ما يحبون وما يكرهون .ومثال ذلك ما رواه شريح القاضي , فقال : خطبتُ امرأة من بني تميم، فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأْتُ فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك مَنكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكنْ إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به {إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإنك قد قلت كلاماً إن ثبتِّ عليه يكنْ ذلك حظاً لي، وإنْ تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: من تحب مِن جيرانك أن يدخل دارك آذن له، ومَن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً، لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز تأمر وتنهى فقلت: مَن هذه؟ قالوا: فلانة أم حليلتك، قلت: مرحبا وأهلا وسهلا، فلما جلسْتُ أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحبا بك وأهلاً، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خيرُ زوجة وأوفق قرينة، لقد أدبتِ فأحسنت الأدب، وريضتِ فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يُرى أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرّ من الروعاء المدللة.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثَت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيء، وكان لي جارٌ يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم * * * فشلّت يميني يوم تضرب زينب
أأضربها من غير ذنب ٍأتت به ِ * * * فما العدل ُمني ضرب من ليس يذنبِ
فزينب شمس ٍوالنساء َكواكب * * * إذا طلعت لم يبد َمنهنّ كوكب ( ) .
فلا بد أن تحدد هدفك من الزواج ولا تجعل التوافه تغلبك عن تحقيق هذا الهدف